فصل: (الغاشية: الآيات 2- 16)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة الغاشية:
مكية.
وآياتها 26.
نزلت بعد الذاريات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.[الغاشية: آية 1]

{هَلْ أَتاكَ حديث الغاشية (1)}.
{الغاشية} الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها. يعنى القيامة، من قوله: {يوم يَغْشاهُمُ الْعذاب} وقيل: النار، من قوله: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}، {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} {يومئِذٍ} يوم إذ غشيت {خاشعة} ذليلة {عاملة ناصبة} تعمل في النار عملا تتعب فيه، وهو جرها السلاسل والأغلال، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل، وارتقاؤها دائبة في صعود من نار، وهبوطها في حدور منها.
وقيل: عملت في الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت، فهي في نصب منها في الآخرة.
وقيل: عملت ونصبت في أعمال لا تجدى عليها في الآخرة. من قوله: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ}، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ} وقيل: هم أصحاب الصوامع. ومعناه: أنها خشعت للّه وعملت ونصبت في أعمالها من الصوم الدائب، والتهجد الواصب. وقرئ: {عاملة ناصبة} على الشتم. قرئ: {تصلى} بفتح التاء. و{تصلى} بضمها. و{تصلى} بالتشديد.
وقيل: المصلى عند العرب: أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا، ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور، فلا يسمى مصليا آنية متناهية في الحرّ، كقوله: {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}.
الضريع. يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل.
قال أبو ذؤيب:
رعى الشيرق الرّيّان حتّى إذا ذوي ** وعاد ضريعا بان عنه النّحائص

وقال:
وحبسن في هزم الضريع فكلّها ** حدباء دامية اليدين حرود

فإن قلت: كيف قيل {لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضريع} وفي الحاقة {وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}؟
قلت: العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم. أكلة الزقوم. ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع: {لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}. {لا يُسْمِنُ} مرفوع المحل أو مجروره على وصف {طعام}. أو {ضريع}، يعنى: أنّ طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس، وإنما هو شوك والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به. وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه: وهما إماطة الجوع، وإفادة القوّة والسمن في البدن. أو أريد: أن لا طعام لهم أصلا، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس، لأن الطعام ما أشبع أو أسمن، وهو منهما بمعزل. كما تقول ليس لفلان ظل إلا الشمس، تريد: نفى الظل على التوكيد.
وقيل: قالت كفار قريش: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت لا يُسْمِنُ فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك وهو الظاهر، فيردّ قولهم بنفي السمن والشبع، وإما أن يصدقوا فيكون المعنى: أن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم، إنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع.

.[الغاشية: الآيات 2- 16]

{وُجُوهٌ يومئِذٍ خاشعة (2) عاملة ناصبة (3) تصلى ناراً حامية (4) تُسْقى مِنْ عين آنية (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضريع (6) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جوع (7) وُجُوهٌ يومئِذٍ ناعمة (8) لِسَعْيِها راضية (9) فِي جَنَّةٍ عالية (10) لا تسمع فِيها لاغية (11) فِيها عين جارية (12) فِيها سُرُرٌ مرفوعة (13) وَأَكْوابٌ موضوعة (14) وَنَمارِقُ مصفوفة (15) وَزَرابِيُّ مبثوثة (16)}.
{ناعمة} ذات بهجة وحسن، كقوله: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} أو متنعمة {لِسَعْيِها راضية} رضيت بعملها لما رأت ما أدّاهم إليه من الكرامة والثواب عالية من علو المكان أو المقدار لا تسمع يا مخاطب. أو الوجوه لاغية أي لغوا، أو كلمة ذات لغو. أو نفسا تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد اللّه على ما رزقهم من النعيم الدائم.
وقرئ: {لا تسمع}: على البناء للمفعول بالتاء والياء {فِيها عين جارية} يريد عيونا في غاية الكثرة، كقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ}. {مرفوعة} من رفعة المقدار أو السمك، ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوّله ربه من الملك والنعيم.
وقيل: مخبوءة لهم، من رفع الشيء إذا خبأه {موضوعة} كلما أرادوها وجدوها {موضوعة} بين أيديهم عتيدة حاضرة، لا يحتاجون إلى أن يدعوا بها. أو {موضوعة} على حافات العيون معدّة للشرب. ويجوز أن يراد: {موضوعة} عن حد الكبار، أوساط بين الصغر والكبر، كقوله: {قدروها تَقْدِيراً}. {مصفوفة} بعضها إلى جنب بعض. مساند ومطارح، أينما أراد أن يجلس على مسورة واستند إلى أخرى {وَزَرابِيُّ} وبسط عراض فاخرة. وقيل: هي الطنافس التي لها خمل رقيق. جمع زربية {مبثوثة} مبسوطة. أو مفرقة في المجالس.

.[الغاشية: الآيات 17- 26]

{أَفَلا ينظرون إِلَى الإبل كَيْفَ خلقت (17) وَإِلَى السماء كَيْفَ رفعت (18) وَإِلَى الجبال كَيْفَ نصبت (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سطحت (20) فذكر إِنَّما أَنْتَ مذكر (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمصيطر (22) إِلاَّ مَنْ تولى وكفر (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعذاب الأكبر (24) إِنَّ إِلَيْنا إيابهم (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حسابهم (26)}.
{أَفَلا ينظرون إِلَى الإبل} نظر اعتبار {كَيْفَ خلقت} خلقا عجيبا، دالا على تقدير مقدر، شاهدا بتدبير مدبر، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرها إلى البلاد الشاحطة فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمّتها: لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغيرا، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار.
وعن بعض الحكماء. أنه حدث عن البعير وبديع خلقه، وقد نشأ في بلاد لا إبل بها، ففكر ثم قال: يوشك أن تكون طوال الأعناق، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش، حتى إن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعدا، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم.
وعن سعيد بن جبير قال: لقيت شريحا القاضي فقلت: أين تريد؟ قال: أريد الكناسة: قلت: وما تصنع بها؟ قال: أنظر إلى الإبل كيف خلقت.
فإن قلت: كيف حسن ذكر {الإبل} مع {السماء} و{الجبال} و{الأرض} ولا مناسبة؟
قلت: قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم وبواديهم، فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم، ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله، {إلا} طلب المناسبة، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب، كالغمام والمزن والرباب والغيم والغين، وغير ذلك، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل كثيرا في أشعارهم، فجوز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز {كَيْفَ رفعت} رفعا بعيد المدى بالإمساك وبغير عمد. و{كَيْفَ نصبت} نصبا ثابتا، فهي راسخة لا تميل ولا تزول. و{كَيْفَ سطحت} سطحا بتمهيد وتوطئة، فهي مهاد للمتقلب عليها.
وقرأ علي بن أبى طالب رضي اللّه عنه: {خلقت}، و{رفعت}، و{نصبت}، و{سطحت}: على البناء للفاعل وتاء الضمير، والتقدير: فعلتها. فحذف المفعول.
وعن هرون الرشيد أنه قرأ: {سطحت} بالتشديد، والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق، حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه. أى: لا ينظرون، فذكرهم ولا تلح عليهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون {إِنَّما أَنْتَ مذكر} كقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}. {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمصيطر} بمتسلط، كقوله: {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} وقيل: هو في لغة تميم مفتوح الطاء، على أن (سيطر) متعد عندهم. وقولهم: تسيطر، يدل عليه {إِلَّا مَنْ تولى} استثناء منقطع، أى: لست بمستول عليهم، ولكن من تولى وكفر منهم، فإن للّه الولاية والقهر. فهو يعذبه {الْعذاب الأكبر} الذي هو عذاب جهنم. وقيل. هو استثناء من قوله: {فذكر} أى: فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى، فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض. وقرئ: {إلا من تولى}، على التنبيه. وفي قراءة ابن مسعود: {فإنه يعذبه}.
وقرأ أبو جعفر المدني: {إيابهم}، بالتشديد. ووجهه أن يكون (فيعالا) مصدر (أيب) فيعل من الإياب. أو أن يكون أصله أوابا: فعالا من أوّب، ثم قيل: إيوابا كديوان في دوّان، ثم فعل به ما فعل بأصل: سيد وميت.
فإن قلت: ما معنى تقديم الظرف؟
قلت: معناه التشديد في الوعيد، وأن {إيابهم} ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام، وأن {حسابهم} ليس بواجب إلا عليه، وهو الذي يحاسب على النقير والقطمير. ومعنى الوجوب: الوجوب في الحكمة.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الغاشية حاسبه اللّه حسابا يسيرا». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {هلْ أتاكَ حديث الغاشية} فيها قولان:
أحدهما أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال، قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني: أنها النار تغشى وجوه الكفار، قاله ابن جبير.
ويحتمل ثالثاً: أنها في هذا الموضع النفخة الثانية للبعث لأنها تغشى جميع الخلق.
و{هل} فيها وجهان:
أحدهما: أنها في موضع قد، وتقدير الكلام قد أتاك حديث الغاشية، قاله قطرب.
الثاني: أنها خرجت مخرج الاستفهام لرسوله، ومعناه ألم يكن قد أتاك حديث الغاشية، فقد أتاك، وهو معنى قول الكلبي.
{وُجوهٌ يومئذٍ خاشعة} في الوجوه ها هنا قولان:
أحدهما: عنى وجوه الكفار كلهم، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنها وجوه اليهود والنصارى، قاله ابن عباس.
وفي قوله: {يومئذٍ} وجهان:
أحدهما: يعني يوم القيامة، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: في النار، قاله قتادة.
{خاشعة} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ذليلة بمعاصيها، قاله قتادة.
الثاني: أنها تخشع بعد ذل من عذاب الله فلا تتنعم، قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن تكون {خاشعة} لتظاهرها بطاعته بعد اعترافها بمعصيته.
{عاملة ناصبة} في {عاملة} وجهان:
أحدهما: في الدنيا عاملة بالمعاصي، قاله عكرمة.
الثاني: أنها تكبرت في الدنيا عن طاعة الله تعالى، فأعملها في النار بالانتقال من عذاب إلى عذاب، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أي باذلة للعمل بطاعته إن ردّت.
وفي قوله: {ناصبة} وجهان:
أحدهما: ناصبة في أعمال المعاصي.
الثاني: ناصبة في النار، قاله قتادة.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أي ناصبة بين يديه تعالى مستجيرة بعفوه.
{تصلى ناراً حامية} فإن قيل فما معنى صفتها بالحماء وهي لا تكون إلا حامية وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ قيل قد اختلف في المراد بالحامية ها هنا على أربعة أوجه:
أحدها: أن المراد بذلك أنها دائمة الحمى وليست كنار الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.
الثاني: أن المراد بالحامية أنها حمى يمنع من ارتكاب المحظورات وانتهاك المحارم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
الثالث: معناه أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها أو ترام مماستها كما يحي الأسد عرينه، ومثله قول النابغة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ** وتتقي صولة المستأسد الحامي

الرابع: أنها حامية مما غيظ وغضب، مبالغة في شدة الانتقام، وقد بيّن الله ذلك بقوله: {تكاد تميّز من الغيظ}.
{تُسْقَى مِن عين آنية} فيه أربعة أوجه:
أحدها: قاله ابن زيد.
الثاني: حاضرة.
الثالث: قد بلغت إناها وحان شربها، قاله مجاهد.
الرابع: يعني قد أنى حرها فانتهى واشتد، قاله ابن عباس.
{ليس لَهُمْ طعامٌ إلاّ مِن ضريع} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنها شجرة تسميها قريش الشبرق، كثيرة الشوك، قاله ابن عباس، قال قتادة وإذا يبس في الصيف فهو ضريع، قال الشاعر:
رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوي ** وعاد ضريعاً نازعته النحائص

الثاني: السّلم، قال أبو الجوزاء: كيف يسمن من يأكل الشوك.
الثالث: أنها الحجارة، قاله ابن جبير.
الرابع: أنه النوى المحرق، حكاه يوسف بن يعقوب عن بعض الأعراب.
الخامس: أنه شجر من نار، قاله ابن زيد.
السادس: أن الضريع بمعنى المضروع، أي الذي يضرعون عنده طلباً للخلاص منه، قاله ابن بحر.
{في جَنّةٍ عالية} فيها وجهان:
أحدهما: أن الجنة أعلى من النار فسميت لذلك عالية، قاله الضحاك.
الثاني: أعالي الجنة وغرقها، لأنها منازل العلو والارتفاع.
فعلى هذا في ارتفاعهم فيها وجهان:
أحدهما: ليلتذوا بالعو والارتفاع.
الثاني: ليشاهدوا ما أعد الله لهم فيها من نعيم.
{لا تسمع فيها لاغية} قال الفراء والأخفش: أي لا تسمع فيها كلمة لغو وفي المراد بها سبعة أقاويل:
أحدها: يعني كذباً، قاله ابن عباس.
الثاني: الإثم، قاله قتادة.
الثالث: أنه الشتم، قاله مجاهد.
الرابع: الباطل، قاله يحيى بن سلام.
الخامس: المعصية، قاله الحسن.
السادس: الحلف فلا تسمع في الجنة حالف يمين برة ولا فاجرة، قاله الكلبي.
السابع: لا يسمع في كلامهم كلمة تلغى، لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم، قاله الفراء.
{فيها سُرُرٌ مرفوعة} والسرر جمع سرير، وهو مشتق من السرور وفي وصفها بأنها {مرفوعة} ثلاثة أوجه:
أحدها: لأن بعضها مرفوع فوق بعض.
الثاني: {مرفوعة} في أنفسهم لجلالتها وحبهم لها، قاله الفراء.
الثالث: أنها {مرفوعة} المكان لارتفاعها وعلوها.
فعلى هذا في وصفها بالعلو والارتفاع وجهان:
أحدهما: ليلتذ أهلها بارتفاعها، قاله ابن شجرة.
الثاني: ليشاهدوا بارتفاعهم ما أُعطوه من مُلك وأُوتوه من نعيم، قاله ابن عيسى.
فأما قوله: {وأكوابٌ موضوعة} فالأكواب: الأواني، وقد مضى القول في تفسيرها.
وفي قوله: {موضوعة} وجهان:
أحدهما: في أيديهم للاستمتاع بالنظر إليها لأنها من ذهب وفضة.
الثاني: يعني أنها مستعملة على الدوام، لاستدامة شربهم منها، قاله المفضل.
{ونمارقُ مصفوفة} فيه وجهان:
أحدهما: الوسائد، واحدها نمرقة، قاله قتادة.
الثاني: المرافق، قاله ابن أبي طلحة، قال الشاعر:
وريم أحمّ المقلتين محبّب ** زرابيُّه مبثوثة ونمارِقُه

{وزرابيُّ مبثوثة} فيها وجهان:
أحدهما: هي البسط الفاخرة، قاله ابن عيسى.
الثاني: هي الطنافس المخملة، قاله الكلبي والفراء.
وفي (المبثوثة) أربعة أوجه:
أحدها: مبسوطة، قاله قتادة.
الثاني: بعضها فوق بعض، قاله عكرمة.
الثالث: الكثيرة، قاله الفراء.
الرابع: المتفرقة، قاله ابن قتيبة.
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الآيات، وفي ذكره لهذه ثلاثة أوجه:
أحدها: ليستدلوا بما فيها من العبر على قدره الله تعالى ووحدانيته.
الثاني: ليعلموا بقدرته على هذه الأمور أنه قادر على بعثهم يوم القيامة، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أن الله تعالى لما نعت لهم ما في الجنة عجب منه أهل الضلالة، فذكر لهم ذلك مع ما فيه من العجاب ليزول تعجبهم، قاله قتادة.
وفي {الإبل} ها هنا وجهان:
أحدهما: وهو أظهرهما وأشهرهما: أنها الإبل من النَعَم.
الثاني: أنها السحاب، فإن كان المراد بها السحاب فلما فيها من الآيات الدالة على قدرة الله والمنافع العامة لجميع خلقه.
وإن كان المراد بها من النَعَم فإن الإبل أجمع للمنافع من سائر الحيوانات، لأن ضروبه أربعة:
حلوبة، وركوبة، وأكولة، وحمولة والإبل تجمع هذه الخلال الأربع، فكانت النعمة بها أعم، وظهور القدرة فيها أتم.
ثم قال تعالى بعد ذلك {فذكر إنّما أنت مذكر} فيه وجهان:
أحدهما: إنما أنت واعظ.
الثاني: ذكّرهم النعم ليخافوا النقم.
{لَسْتَ عليهم بمسيطر} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: لست عليهم بمسلط، قاله الضحاك.
الثاني: بجبار، قاله ابن عباس.
الثالث: برب، قاله الحسن، ومعنى الكلام لست عليهم بمسيطر أن تكرههم على الإيمان.
ثم قال: {إلاّ مَن تولى وكفر} فلست له بمذكر، لأنه لا يقبل تذكيرك، قاله السدي.
الثاني: إلا من تولى وكفر فكِلْه غلى الله تعالى، وهذا قبل القتال، ثم أمر بقتالهم، قاله الحسن.
وفي {تولى وكفر} وجهان:
أحدهما: {تولى} عن الحق {وكفر} بالنعمة.
الثاني: {تولى} عن الرسول {وكفر} بالله تعالى، قاله الضحاك.
{فيُعذِّبه الله العذاب الأكبر} يعني جهنم.
ويحتمل أن يريد الخلود فيها، لأنه يصير بالاستدامة أكبر من المنقطع.
{إنّ إليْنا إيابهم} أي مرجعهم.
{ثم إنّ علينا حسابهم} يعني جزاءَهم على أعمالهم، فيكون ذلك جامعاً بين الوعد والوعيد ثواباً على الطاعات وعقاباً على المعاصي. اهـ.